لا ادري سر هذا الإصرار والمقارنة بين عمان وأي ارض ادخلها لماذا تسيطر عليّ عمان بشوارعها الضيقة والأخرى المتسعة لماذا تسيطر على عمان بمخيماتها ومناطقها البرجوازية ... عمان بنت العشيرة ... عروس الدنيا ... يخرجني أبو يونس من عاصفة الحنين التي تجتاحني لندخل إلى السوق ... يا لهذا الجمال ... وهذه الروعة ... يا لهذا التنظيم ... لا تحتاج للخروج من هذا السوق إلا عندما تنهي كل احتياجاتك ... لا ... ليس سوقا بل انه مدينة مصغرة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان ودلالات ... سوق يحتوي على كل ما يخطر بالبال من اصغر الأشياء حتى أكبرها ... وأنت تتجول في هذا السوق تشعر بمتعة غريبة ... لا تشعر بملل او تعب، مضى الوقت ولم نشعر به عاد أبو يونس لخطفي من متعتي ليخبرني بأن الوقت تأخر وأصبح لزاما علينا العودة ... حسنا لنعود ولكن لنغير الطريق الذي آتينا منه علنا نكتشف شيئا جديداً من ذواتنا وحقيقتنا التي طالما غابت عنا ... عسانا نكتشف براءتنا وطفولتنا عندما نكتشف براءة وطفولة هذه الشوارع ... واستمر المسير وقبل أن نصل كل منا إلى مكانه كان المنادي ينادي لصلاة الفجر ... اتجاهنا للمسجد وهناك وبعد أن أدينا تحية المسجد أمسكت بكتاب الله ورحت اقرأ كلماته وكنت قد فتحت المصحف الطاهر على سورة الإسراء وكانت سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير وتعود الدهشة لتخطفني من جديد ... بالتأكيد أن المصطفى في رحلته تلك مر من هنا ... إلى تبوك وعمان والأغوار إلى القدس الشريف ... الآن اكتشفت إن سر تعلق الإنسان الأردني بأرضه هو البركة التي انزلها الله على هذه الأرض التي تجاور الأقصى ... إذا هذا هو سر التوحد بين الضفتين ... إذاً لم يكن سر التعلق بين شرقي النهر وغربه محض صدفة بل هو منحة إلهية وهبها الله لأرضي لتكون في جوار المساجد الثلاثة الحرام والنبوي والأقصى إذاً هو سر الخلود لأرض الأنبياء والمرسلين . هو سر البقاء والعشق لأرضي أرض الحشد والرباط.... يا الهي.. أنا في بيت رسول الله وصحبه ولا ألقي بالتحية عليهم... هل يمكن أن أكون في بيت أكرم خلق الله ولا أُشرف عيناي بروضته الطاهرة .. أشتاق لأن القي بتحيتي إليه فيردها لي بأحسن منها ... يا له من شرف عظيم وغاية الأمنيات ... نهضت من مكاني وركضت باتجاه الأمام الذي شرفه الله تعالى بأن يكون إماماً لثاني الحرمين .. ركضت باتجاهه ... كان ينتابني إحساس غريب .. لا ادري كنهه... ربما كان ذلك الإحساس نتيجة الأمنية التي باتت تسكنني وهي أن اصل إلى تلك الروضة ... كان يخيل إلي بأن نور يشع من عيني ذلك الإمام ومن جبينه لا بل كان النور يسطع من الإمام... والسؤال في النفس كيف لا يشع النور منه وهو في حضرة كامل النور وخادمه ... كيف لا يسطع نوره وهو المشاء في الظلمات ... أنا لا أريد نورا كما نوره أريد نور الحبيب أن يملأ قلبي عسى أن يمسح ذلك النور عتمة سنين خلت بلا فائدة او طائل ... اقتربت من الإمام وكانت علامات الخوف والرهبة قد بدت تظهر على ملامحي ... وفاجأني بكلماته ولم يكن بالمسجد غيرنا إلا نفر قليل ما بك يا بني .. أريد أن اسلم على الهادي ... أريد أن القي بالتحية عليه ... أريد أن أشكو له حالي وارجوه أن يقبلني من أمته وأنا الذي انصرفت عنه إلى الملذات والشهوات ... أريده أن يتقبلني فيكون شفيعي في يوم لا ينفع فيه مال او بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فقط أريد أن يتعافى قلبي ... حسنا يا بني ودعا الله بأن أنال القبول سرت خلفه وما من خلية في جسدي إلا وكانت ترتعش وكنت اشعر بها تبكي ندماً على ما فات من العمر وفرحاً بزيارة أعظم وأنبل وأشرف من وجد على هذه البسيطة .. هو من صلى الله وملائكته عليه أنا في حضرة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وصلنا إلى ألروضه وكان هناك حاجز حديدي لمنع الدخول إلى الروضة ... وكان قبلها الإمام قد طلب مني أن اردد خلفه ما يقول ... السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... السلام عليك يا حبيب الله .. السلام عليك يا صديق السلام عليك يا عمر وراح يدعو الله جل في علاه أن يتقبلني وأنا لا أكاد أتبين ما أقول من شدة بكائي ... خرج الإمام وخرجت خلفه و غاية أمنياتي لو قضيت نحبي في تلك اللحظات التي كنت اشد خلق الله ارتباطا بالله ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه .
عدت لموقع الحافلة ووجدت أبا يونس ونفر من المعتمرين هناك .. سألت أبا يونس كيف لي أنا أتجول في مدينة النور والبهاء .. فقال بسيطة أبو صخر ... تقف أمام السكن على الشارع وستجد الكثير من الحافلات الصغيرة والسيارات التي تأخذك إلى حيث تريد .. حسنا أبا يونس... تجولنا في المنطقة حول السكن وعدنا إلى موقع الحافلة نلعب الورق ونحتسي الشاي ونسيت قلب الأم الذي سوف يحترق خوفاً على ابن خرج منذ صلاة العشاء ولم يعد حتى هذه اللحظة وأخت حائرة مشغولة على أخيها أين ذهب في منطقة لا يعرف فيها شيء ولكنهن متأكدات بأني في وضع جيد ... لأنهن يعرفن طباعي .. وأنني إذا ما أردت شيئا لا يوجد ما يردني او يمنعني عنه إلا ما هو أقوى مني . اخبرني أبو يونس بأن الوقت تجاوز الثامنة صباحا وانه حان الوقت لأعود إلى أمي وأختي وابني الصغير ولسريري ... أي سرير هذا الذي تتحدث عنه سأذهب لأمي أتناول إفطاري معها وبعدها اخرج في رحلتي للإطلاع على هذا المكان الذي يشعرك بالدفء والطمأنينة . وعندما وصلت إلى السكن وجدت أمي تقف مع السيد محمد نعمان مدير وصاحب السكن وتخبره عن خروجي وعدم عودتي ... اسمع صوته وأنا اقترب منهم ها هو قد عاد ... أين كنت يا بني كنت عند الحافلة مع الشباب تجولنا في السوق وهاأنا قد عدت ... أمي أريد الخروج إلى بعض المواقع الدينية ... حسنا سنذهب سويا ... ذهبت برفقة محمد نعمان لاستئجار حافلة ونجحنا في ذلك فقال السائق من أين نبدأ قلت له من أي مكان تريد ... لأننا لا نعرف المناطق نريد زيارتها جميعا ... حسنا... نبدأ من مسجد قباء .... توكل على الله ... هل المسافة طويلة ... لا ما هي إلا دقائق ونصل ... شدتني كثيرا لهجته البدوية والتي لا تختلف كثيرا عن لهجة أبناء ديرتي ... كنت قد طلبت منه أن يحدثني ... عن أهل المدينة الحديثة ... فقال يا أخي لا تسألني عنها إذا رغبت فهناك من عاصر تأسيس الدولة الحديثة او من الجيل الذي تلاهم ... واخذ يتحدث عن دولته وتوفيرها كل متطلبات الحياة الكريمة لأبنائها ... والنهضة التي تعيشها العربية السعودية من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.
ها نحن قد وصلنا قباء يا أخي ... عندها سيل من المشاعر اجتاحني ... أخذني معه لعصر حلمت لو كنت احد أبنائه ... هنا تأسست الإمبراطورية العظمى ... هنا كان النداء الأول لدولة اجتاحت الأرض وعلمت البشر أينما تواجدوا معنى الرقي ... من هنا انطلقت شموع الحرية والآباء ... من هنا كان التعريف الحقيقي لمعنى الإنسان ... من هنا كانت انطلاقة الحق .. ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا... الهي .. كيف كان الاجتماع الأول بين ابن هذا التراب والقادم الجديد المبشر بسعادة الإنسانية ... ما الذي دار في ذلك الاجتماع ... كيف لمجتمع أسس على هذه المبادئ أن لا يجتاح الكون ... وان لا يقبل عليه من ضاقت بهم الدنيا وأعجزتهم صروف الدهر . نعم هنا كان المؤتمر التأسيسي لانبثاق الدولة الأعظم في تاريخ البشرية ... إمبراطورية السلام والمحبة ... هنا كان النداء الأول .. هنا صعد بلال الحبشي لينادي العالم بالنداء الخالد الله اكبر هنا صدرت الشهادة الأولى علنا دون خوف او وجل بأن لا اله إلا الله .. وان محمدا رسول الله هنا في ساحة هذا المسجد تآخى المهاجرون وأصحاب أوسمة الكفاح في سبيل الله ... في سبيل احترام إنسانية الإنسان ... هنا كانت تتخذ القرارات الأهم ... من هنا صدر القرار بالاعتراض لقوافل قريش القادمة من الشام ... من هنا نادى منادي الجهاد لبدر واحد وغيرها من معارك وغزوات الإمبراطورية الجديدة .
يا سيدي ما دمنا في قباء من أين دخل رسول الله إلى المدينة ... هل يمكننا أن نذهب إلى تلك المنطقة التي تشرفت بمقدم النبي الأمي القادم من ارض إسماعيل والبيت الذي رفع قواعده مع أبيه ... من الأرض التي انفجرت حنانا ورفقا على إسماعيل عليه السلام وقست على خاتم النبيين ... ركبنا السيارة وسرنا فترة لا تزيد عن ربع او ثلث ساعة حتى وصلنا وقال من هنا من الثنيات دخل الشفيع إلى المدينة ... وهنا راحت تترأى لي الجموع المنتظرة لقدوم حبيب الله ... لتستقبل البشير ... لتنصره وتفديه ... من هنا وبعفوية تامة ودون ترتيب مسبق وقف الرجال والنساء ينتظرون الهادي لا يأبهون بجلد أشعة الشمس الحارقة لرؤوسهم ... أكثر ما يشغل أفكارهم متى سيصل النذير ونمتع أنظارنا برؤيته ... من هنا انطلقت الحناجر عندما هل نوره عليهم تردد :
طلـــع البــدر علـينا مــــن ثنيــات الـوداع
وجاب الشكـر علينا مــــا دعـــى للــه داع
أيها المبعوث فينــــا جئت بالأمر المطـاع
جئت شرفت المدينة مرحبــــا يا خيـــر داع
ما زال النخيل يزهو .. والثنيات تفخر وسمت إلى ما بعد السمو ... بأن النذير وصاحبه قد ما منها . والآن إلى أين؟ ... سنذهب للمساجد السبعة ... حسنا هذه المساجد لم تثر بي شيء يذكر إلا أنها كانت ملتقى لأصحاب الرسالة المنيرة ... كان مرورنا على هذه المساجد سريعا ... شباب بعمر الورود يعطون دروسا عن تاريخ المسجد والمكان بمقدرة عالية ... مستعدون للإجابة عن أي سؤال او استفسار ... وبعد أن انهينا زيارة المساجد سألته إن كان بإمكاننا زيارة موقع احد ... المعركة الخالدة ... هيا وانطلق السائق وهو يتحدث بكلمات افهم بعضها ولا استوعب البعض نتيجة لسرعته في الكلام .
وصلنا إلى الموقع وإذا بفتى يقف هنا متوسط الطول مليء الجسد قد استقبلنا وسار بنا إلى جهة القبر .. الضريح ... او روضة الجنة .. التي تضم رفاة أسد الله ورسوله وسبعون شهيدا أخر ... كان الفتى يتحدث بطلاقة بالغة وبصوت مؤثر عن تاريخ المعركة أحد ونتيجتها ... وهنا تدخلت وكأني ادخل نقاش مع دكتور او أقف أمام عالم ... هنا يا سيدي تجلت حنكة ابن الوليد ومقدرته العسكرية الذي استطاع أن يقلب نتيجة المعركة من هزيمة مذلة إلى نصر عزيز ... ... لا يا أخي انه مكر الشيطان وليست حنكة سيف الله ... كيف وابن الوليد لم يهزم في معركة قط ؟... يا أخي انه الشيطان الذي أغوى الحماة المنتشرون على الجبل للهبوط والمشاركة في جمع الغنائم ومخالفة أوامر السراج المنير ... الذي ابلغهم بضرورة البقاء ... إن قتلنا فلا تنصرونا وان غنمنا فلا تشاركونا ... كان قد قرأ المعركة قبل وقوعها ... وهنا تأتي الحنكة وحسن القيادة والتخطيط العسكري الفذ هنا وقفت هند بنت عتبة (الهَنود) تنادي أبناء قريش بقولها :
نحن بنات طارق لابسات النمارق
إن تقبلوا نعانق وان تدبروا نفارق
فراق غير وابق
هنا وقفت هند تنتظر من وحشي تنفيذ أمرها بقتل الأسد ... من هنا توجهت حربة الخيانة والغدر من يد ذلك الوحشي الماهر إلى ظهر عم السراج المنير لتخترقه ... وتعلو زغرودة الهنود التي أقبلت لتمثل بجثة حمزة بن عبد المطلب وتلوك كبده .. وهنا توعد أبو القاسم بأن يمثل بثلاثين من رجال قريش إن مكنه الله منهم وينهاه الرحمن عن ذلك بأن عاقبوا بمثل ما عوقبتم .
وهنا يعود الفتي ليسحب مني خيوط الذاكرة ويخرجني من دائرة التداعيات ليقول ... لم يكن ذلك النصر المؤزر كما تتوقعه ... ولكن فقط كانت المفاجأة ولدقائق معدودة بعدها انسحب خالد وطارد المسلمون فلول قريش ... هذا الدرس من الفتي أعادني من جديد للتساؤل أين أبناؤنا من هذه المعلومات ... بدأت الغيرة تدب في أوصالي ... لأن الغالبية من أبناء وطني وشبابها لا يدركون من أمور دينهم ودنياهم إلا صرعات الموضة وأخر ما توصل إليه الفيديو كليب وسيرة هذه الفنانة ومحاولات تقليدها .
أما سيرة المصطفى عليه السلام فلا تعرف ... الدولة الإسلامية وجدلية تأسيسها بين التحدي للواقع المؤلم ورفض الطبقة الأرستقراطية وبين تحدي الطبقة الكادحة لتأسيس الدولة التي تمنحهم حقهم في الحياة كما يريدون هذا لا يعرفه أبناء بلدي لماذا ؟
وعودة إلى احد الخالدة ... أُحد أحد موازين القيامة ... احد التي كانت ساقا ابن مسعود أثقل منه ... ( في بدر القريبة من هنا قتل فيها الراعي الأمين ابن مسعود أبو جهل ... وفيها خاطب أبو جهل محرضا إياه دونك سيفي يا ابن مسعود وطالباً منه أن يعتلي صدره ليقتله مردداً اصعد الشيماء يا ابن مسعود ).
نختم زياراتنا بأحد ونعود للمدينة من جديد ، وفي أثناء عودتنا اسأل السائق إن كانت مدينة التآمر عل الدين الحنيف ورسوله ورجالاته تبعد كثيرا أم لا فقال تقصد خيبر ... مدينة اليهود في ذلك الزمن ... نعم ... قال لا ولكنها ليست من ضمن برنامج
عدت لموقع الحافلة ووجدت أبا يونس ونفر من المعتمرين هناك .. سألت أبا يونس كيف لي أنا أتجول في مدينة النور والبهاء .. فقال بسيطة أبو صخر ... تقف أمام السكن على الشارع وستجد الكثير من الحافلات الصغيرة والسيارات التي تأخذك إلى حيث تريد .. حسنا أبا يونس... تجولنا في المنطقة حول السكن وعدنا إلى موقع الحافلة نلعب الورق ونحتسي الشاي ونسيت قلب الأم الذي سوف يحترق خوفاً على ابن خرج منذ صلاة العشاء ولم يعد حتى هذه اللحظة وأخت حائرة مشغولة على أخيها أين ذهب في منطقة لا يعرف فيها شيء ولكنهن متأكدات بأني في وضع جيد ... لأنهن يعرفن طباعي .. وأنني إذا ما أردت شيئا لا يوجد ما يردني او يمنعني عنه إلا ما هو أقوى مني . اخبرني أبو يونس بأن الوقت تجاوز الثامنة صباحا وانه حان الوقت لأعود إلى أمي وأختي وابني الصغير ولسريري ... أي سرير هذا الذي تتحدث عنه سأذهب لأمي أتناول إفطاري معها وبعدها اخرج في رحلتي للإطلاع على هذا المكان الذي يشعرك بالدفء والطمأنينة . وعندما وصلت إلى السكن وجدت أمي تقف مع السيد محمد نعمان مدير وصاحب السكن وتخبره عن خروجي وعدم عودتي ... اسمع صوته وأنا اقترب منهم ها هو قد عاد ... أين كنت يا بني كنت عند الحافلة مع الشباب تجولنا في السوق وهاأنا قد عدت ... أمي أريد الخروج إلى بعض المواقع الدينية ... حسنا سنذهب سويا ... ذهبت برفقة محمد نعمان لاستئجار حافلة ونجحنا في ذلك فقال السائق من أين نبدأ قلت له من أي مكان تريد ... لأننا لا نعرف المناطق نريد زيارتها جميعا ... حسنا... نبدأ من مسجد قباء .... توكل على الله ... هل المسافة طويلة ... لا ما هي إلا دقائق ونصل ... شدتني كثيرا لهجته البدوية والتي لا تختلف كثيرا عن لهجة أبناء ديرتي ... كنت قد طلبت منه أن يحدثني ... عن أهل المدينة الحديثة ... فقال يا أخي لا تسألني عنها إذا رغبت فهناك من عاصر تأسيس الدولة الحديثة او من الجيل الذي تلاهم ... واخذ يتحدث عن دولته وتوفيرها كل متطلبات الحياة الكريمة لأبنائها ... والنهضة التي تعيشها العربية السعودية من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.
ها نحن قد وصلنا قباء يا أخي ... عندها سيل من المشاعر اجتاحني ... أخذني معه لعصر حلمت لو كنت احد أبنائه ... هنا تأسست الإمبراطورية العظمى ... هنا كان النداء الأول لدولة اجتاحت الأرض وعلمت البشر أينما تواجدوا معنى الرقي ... من هنا انطلقت شموع الحرية والآباء ... من هنا كان التعريف الحقيقي لمعنى الإنسان ... من هنا كانت انطلاقة الحق .. ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا... الهي .. كيف كان الاجتماع الأول بين ابن هذا التراب والقادم الجديد المبشر بسعادة الإنسانية ... ما الذي دار في ذلك الاجتماع ... كيف لمجتمع أسس على هذه المبادئ أن لا يجتاح الكون ... وان لا يقبل عليه من ضاقت بهم الدنيا وأعجزتهم صروف الدهر . نعم هنا كان المؤتمر التأسيسي لانبثاق الدولة الأعظم في تاريخ البشرية ... إمبراطورية السلام والمحبة ... هنا كان النداء الأول .. هنا صعد بلال الحبشي لينادي العالم بالنداء الخالد الله اكبر هنا صدرت الشهادة الأولى علنا دون خوف او وجل بأن لا اله إلا الله .. وان محمدا رسول الله هنا في ساحة هذا المسجد تآخى المهاجرون وأصحاب أوسمة الكفاح في سبيل الله ... في سبيل احترام إنسانية الإنسان ... هنا كانت تتخذ القرارات الأهم ... من هنا صدر القرار بالاعتراض لقوافل قريش القادمة من الشام ... من هنا نادى منادي الجهاد لبدر واحد وغيرها من معارك وغزوات الإمبراطورية الجديدة .
يا سيدي ما دمنا في قباء من أين دخل رسول الله إلى المدينة ... هل يمكننا أن نذهب إلى تلك المنطقة التي تشرفت بمقدم النبي الأمي القادم من ارض إسماعيل والبيت الذي رفع قواعده مع أبيه ... من الأرض التي انفجرت حنانا ورفقا على إسماعيل عليه السلام وقست على خاتم النبيين ... ركبنا السيارة وسرنا فترة لا تزيد عن ربع او ثلث ساعة حتى وصلنا وقال من هنا من الثنيات دخل الشفيع إلى المدينة ... وهنا راحت تترأى لي الجموع المنتظرة لقدوم حبيب الله ... لتستقبل البشير ... لتنصره وتفديه ... من هنا وبعفوية تامة ودون ترتيب مسبق وقف الرجال والنساء ينتظرون الهادي لا يأبهون بجلد أشعة الشمس الحارقة لرؤوسهم ... أكثر ما يشغل أفكارهم متى سيصل النذير ونمتع أنظارنا برؤيته ... من هنا انطلقت الحناجر عندما هل نوره عليهم تردد :
طلـــع البــدر علـينا مــــن ثنيــات الـوداع
وجاب الشكـر علينا مــــا دعـــى للــه داع
أيها المبعوث فينــــا جئت بالأمر المطـاع
جئت شرفت المدينة مرحبــــا يا خيـــر داع
ما زال النخيل يزهو .. والثنيات تفخر وسمت إلى ما بعد السمو ... بأن النذير وصاحبه قد ما منها . والآن إلى أين؟ ... سنذهب للمساجد السبعة ... حسنا هذه المساجد لم تثر بي شيء يذكر إلا أنها كانت ملتقى لأصحاب الرسالة المنيرة ... كان مرورنا على هذه المساجد سريعا ... شباب بعمر الورود يعطون دروسا عن تاريخ المسجد والمكان بمقدرة عالية ... مستعدون للإجابة عن أي سؤال او استفسار ... وبعد أن انهينا زيارة المساجد سألته إن كان بإمكاننا زيارة موقع احد ... المعركة الخالدة ... هيا وانطلق السائق وهو يتحدث بكلمات افهم بعضها ولا استوعب البعض نتيجة لسرعته في الكلام .
وصلنا إلى الموقع وإذا بفتى يقف هنا متوسط الطول مليء الجسد قد استقبلنا وسار بنا إلى جهة القبر .. الضريح ... او روضة الجنة .. التي تضم رفاة أسد الله ورسوله وسبعون شهيدا أخر ... كان الفتى يتحدث بطلاقة بالغة وبصوت مؤثر عن تاريخ المعركة أحد ونتيجتها ... وهنا تدخلت وكأني ادخل نقاش مع دكتور او أقف أمام عالم ... هنا يا سيدي تجلت حنكة ابن الوليد ومقدرته العسكرية الذي استطاع أن يقلب نتيجة المعركة من هزيمة مذلة إلى نصر عزيز ... ... لا يا أخي انه مكر الشيطان وليست حنكة سيف الله ... كيف وابن الوليد لم يهزم في معركة قط ؟... يا أخي انه الشيطان الذي أغوى الحماة المنتشرون على الجبل للهبوط والمشاركة في جمع الغنائم ومخالفة أوامر السراج المنير ... الذي ابلغهم بضرورة البقاء ... إن قتلنا فلا تنصرونا وان غنمنا فلا تشاركونا ... كان قد قرأ المعركة قبل وقوعها ... وهنا تأتي الحنكة وحسن القيادة والتخطيط العسكري الفذ هنا وقفت هند بنت عتبة (الهَنود) تنادي أبناء قريش بقولها :
نحن بنات طارق لابسات النمارق
إن تقبلوا نعانق وان تدبروا نفارق
فراق غير وابق
هنا وقفت هند تنتظر من وحشي تنفيذ أمرها بقتل الأسد ... من هنا توجهت حربة الخيانة والغدر من يد ذلك الوحشي الماهر إلى ظهر عم السراج المنير لتخترقه ... وتعلو زغرودة الهنود التي أقبلت لتمثل بجثة حمزة بن عبد المطلب وتلوك كبده .. وهنا توعد أبو القاسم بأن يمثل بثلاثين من رجال قريش إن مكنه الله منهم وينهاه الرحمن عن ذلك بأن عاقبوا بمثل ما عوقبتم .
وهنا يعود الفتي ليسحب مني خيوط الذاكرة ويخرجني من دائرة التداعيات ليقول ... لم يكن ذلك النصر المؤزر كما تتوقعه ... ولكن فقط كانت المفاجأة ولدقائق معدودة بعدها انسحب خالد وطارد المسلمون فلول قريش ... هذا الدرس من الفتي أعادني من جديد للتساؤل أين أبناؤنا من هذه المعلومات ... بدأت الغيرة تدب في أوصالي ... لأن الغالبية من أبناء وطني وشبابها لا يدركون من أمور دينهم ودنياهم إلا صرعات الموضة وأخر ما توصل إليه الفيديو كليب وسيرة هذه الفنانة ومحاولات تقليدها .
أما سيرة المصطفى عليه السلام فلا تعرف ... الدولة الإسلامية وجدلية تأسيسها بين التحدي للواقع المؤلم ورفض الطبقة الأرستقراطية وبين تحدي الطبقة الكادحة لتأسيس الدولة التي تمنحهم حقهم في الحياة كما يريدون هذا لا يعرفه أبناء بلدي لماذا ؟
وعودة إلى احد الخالدة ... أُحد أحد موازين القيامة ... احد التي كانت ساقا ابن مسعود أثقل منه ... ( في بدر القريبة من هنا قتل فيها الراعي الأمين ابن مسعود أبو جهل ... وفيها خاطب أبو جهل محرضا إياه دونك سيفي يا ابن مسعود وطالباً منه أن يعتلي صدره ليقتله مردداً اصعد الشيماء يا ابن مسعود ).
نختم زياراتنا بأحد ونعود للمدينة من جديد ، وفي أثناء عودتنا اسأل السائق إن كانت مدينة التآمر عل الدين الحنيف ورسوله ورجالاته تبعد كثيرا أم لا فقال تقصد خيبر ... مدينة اليهود في ذلك الزمن ... نعم ... قال لا ولكنها ليست من ضمن برنامج